كان سامي شابا عشرينيا في الخمسينيات من عمره، موظف بسيط في وزارة الإخصاء، عرف بالجود والكرم في محيطه، بل حتى في المحيط الأطلسي، فقد كان يحرص على سقاية النبات المتواجد على جنبات الطريق أثناء تبوله مشيا إلى مقر عمله كل صباح، ولم يكن يمانع أن تستوقفه امرأة لتمسح بعضا من بوله على وجه رضيعها حديث الولادة، لعل خلقته الذميمة تتحسن، فمعاينة مخلوقات فيلم "ملوك الخاتم" التي تشبه العجينة شبه المختمرة، أهون بكثير من النظر إلى وجه الرضيع المزعوم.
يقوم سامي كباقي زملائه بإطلاق "صرخة الوصول" عند ولوجه المكتب، وكثيرا ما يضطر لاستخدام مكبر الصوت عندما يكون صوته خافتا بسبب مرض أو عياء، ثم يُتبع ذلك بنزع بعض الشعيرات من رأسه ليضعها في جهاز تحليل الحمض النووي من أجل تأكيد تواجده في مكان الشغل، فقد اعتمدت الوزارة هذه الطريقة عوض "جهاز مسح البصمات"، الأمر الذي يشكل حرجا نسبيا للإناث اللائي يشتغلن مع صديقنا سامي، حيث أصبحن يستغنين عن حصص إزالة الشعر épilation من الساق والذراع، من أجل توفير زغب كاف للآلة.
ضغوط العمل تجبر سامي ورفاقه على إيجاد أنشطة ترفيهية للترويح عن النفس وتجديد الحيوية أثناء استراحة الغذاء، وتبقى لعبة "فقء الأعين" أحبها عند أغلب الموظفين، كانت اللعبة محصورة في ثلاثة مستويات: - مستوى الهواة: يجب فيه إصابة عين الخصم بالبصق فيها فقط. - مستوى المتوسطين: يشترط فيه استهداف العين باستعمال ممحاة الورق. - مستوى المحترفين: يستلزم تصيّد عين المنافس باستخدام أقلام الرصاص و الحبر الجاف، شريطة ان تكون مدببة الرؤوس.
لحسن الحظ، كان فاقدو الأعين من الموظفين يستفيدون من قرعة سنوية لزراعة عين بديلة مجانا، لكن كثيرا منهم يترقب دوره لمدة طويلة، نظرا لمحدودية عدد الأعين المتوفرة، ما يجعلهم يتجنبون الاستمرار في اللعب حتى لايضيعوا عيونهم المبصرة المتبقية.
بعد يوم عمل مضن، يعود سامي إلى جحره الذي حفره حديثا بعد أن استولى كلب ضال على جحره القديم، ويعوّل سامي على عقد صفقة مع الكلب يسترجع بموجبها جحره مقابل حزمة من العظام وبعض الخِصِيّ التي ينوي تهريبها من مختبر الوزارة.
يتسلل سامي كل صباح إلى منزل مجاور يعيش مالكه في بلاد المهجر، يستحم هناك ويعد فطوره، ويسمح لنفسه باستعارة بعض قمصان صاحب البيت، لأن قميص أوراق الشجر الذي كان يرتديه عند الذهاب إلى الوزارة لم يرق كثيرا المسؤولين الإداريين؛ وكان سامي يفضل العودة ليلا إلى الجحر من أجل النوم، جرّاء معاناته من متلازمة "حي بن يقظان" التي انتقلت إليه بعد رضاعة عرَضيّة لإحدى خرفان العيد.
يطمح سامي دائما إلى تحسين دخله باجتياز لقاءات عمل من أجل التباري على مناصب مرموقة، خصوصا بعد أن راكم خبرة تتجاوز ستا وثلاثين ساعة من العمل غير المتواصل، ويساعده في تحقيق مسعاه الكم الهائل من شهادات التكوين التي يأكلها يوميا بعد استيلائه على أرشيف معهد التكنولوجيا التطبيقية، لكنها غالبا ما تسبب له صعوبة في التبرز رغم مذاقها الرائع.
#فكرة_هامشية
0 comments:
Post a Comment