هلوسة صباحية

اسمها فاطمة الزهراء، فتاة من البيضاء لن تهتم لأمري أبدا، لكنني لا أمانع ذلك، فهذا يعطيني سببا مقنعا لأكسر بعضا من غروري.

قابلتها مرة واحدة فقط، دار بيننا حوار ليلي مطول، تحدثنا عن أمور مختلفة، لم أكن في كامل تركيزي حينذاك بسبب العياء، لكنني حاولت مواكبة النقاش، وتمنيت صادقا في اليوم الموالي ألاّ أكون قد تفوهت بأي حماقة خلّفت لديها انطباعا سيئا عني.

ما زلت أتذكر أنها حكت لي كثيرا عن أحداث مظلمة في تاريخ المغرب، سنوات الرصاص واعتقال النشطاء...، لا أنكر أنني لم أتفاعل مع كلامها جيدا، ليس فقط لقلة اهتمامي الشخصي بالموضوع أيًّا كان ساردهُ، بل أيضا لكونه أخذ فجأة حيزا كبيرا من الحديث، حديث راق لها الاستئثار به، فألفيتها تستعرض علي بحرقة شديدة ما تعرفه عن حقبة ولّت، وعقارب الساعة آنذاك تشير إلى الثالثة صباحا.

أعجبني شغفها بالقراءة وتعلم اللغات، رأيت النبل والإنسانية في تناولها شبه الدائم والممل أحيانا لقصص المظلومين ودفاعها عن قضاياهم، أبهرني أسلوبها الفصيح في ما يخط قلمها من مقالات أرتني إياها على حاسوبها المحمول المهترئ، كانت صريحة دون سذاجة، ذات صوت أنثوي ناضج ونبرة واثقة، أحببت ابتسامتها البريئة، لفة حجابها البسيطة، وعدم تكلفها في التزين، كان يكفيها وضع قليل من الكحل لتبرق عيناها ويزيد نور محياها المشرق سلفا. لكنها لن تكترث لكل هذا، صحيح أنني لم أخبرها به قط ولا أجرؤ على ذلك، ولماذا سأخبرها أصلا؟ أيجوز أن تصدق أنني لاحظت كل هذه الأشياء فيها خلال لقاء بالكاد دام بضع سويعات؟... إنها نبيهة وحذقة، وقد تتمادى في إعمال ذكائها لتأويل أقوالي مهما كانت خالصة وأمينة، فترجح فرضية كوني مجرد رجل لعوب...، وأنا أتفهم ذلك، فأغلب ما نسمع عنه من القصص المشابهة، تفضي إلى النهاية المبتذلة نفسها.

قررت نسيانها منذ سنة أو أكثر، لكني أجد نفسي أكتب عنها الآن، أتراني ما زلت أكن لها الود، ثم أكان ودا ما أكننت لها في الماضي؟ وهل هو منطقي، أن يعتليني إحساس بالرغبة في شخص نسي وجودي أو لا يدري به حتى؟... هل يصلها اعترافي غير المباشر هذا يوما ما بقدرة قادر، فأجنب نفسي إحراج المكاشفة؟... ربما أحلم، وربما تكون مجرد هلوسة صباحية.

أسامة حمامة

_______________________

"هلوسة صباحية"

قصة قصيرة من نسج الخيال، جميع الشخصيات المذكورة غير حقيقية، وأي تشابه حاصل هو صدفة بحتة.