وقفت هناك تحت المطر،أشاهدها و هي تبتعد شيئا فشيئا،ليلتهمها الضباب الكثيف الذي حل معلنا وصول فصل الشتاء،وبداية فصل آخر من المعاناة.
لا زلت لا أصدق أن المرأة التي أنجبت معها ثلاثة أبناء قررت الانفصال بعد سبع سنوات من الزواج،لم تستطع الصبر على معيشة ضنك قررنا تخطيها معا،بعد أن أجهز البنك على كل ما نملك.
تراكمت ديون كثيرة على عمي رحمه الله،لم يمهلنا البنك تسديدها بعد انقضاء الأجل المحدد،فسلبنا المنزل و المتجر،لأجد نفسي و معي زوجتي و ابني نفترش الشارع.
لم نهن لما أصابنا،كان لدي رصيد مالي لا بأس به استعملت جزءا منه لكراء شقة صغيرة،و استثمرت الباقي في شراء سلعة موسمية كنت أبيعها في الهواء الطلق،لأن ذلك سيعفيني من أداء ضرائب المحل التي ماكانت لي القدرة على تحملها.
المداخيل كانت متذبذة،كنت أعود خالي الوفاض أحيانا،فأضطر لاستبدال بعض ما أبيع بمواد غذائية أحملها للمنزل،بعد سنة رزقنا بطفلنا الثاني،كان هزيلا جدا ،و لم أستطع تحمل نفقات علاجه،فزيارة واحدة للطبيب كانت تستنزف ما أجنيه في يومين.
انفطر قلب زوجتي عند موته،لم يتجاوز عمره التسعة أشهر،لكن ذلك لم يثني من عزيمتها على الإنجاب،لأنها تريد لابننا أن يحس بطعم الأخوة .
مرت سنتان أو أكثر،و جاء مولود جديد لينشر البهجة في العائلة،لا زلت أتذكر بكاء،زوجتي فرحا بعد ألم طويل لفراق "عثمان" رحمه الله.
تذكرت القصة بحسرة،و البلل قد أصاب ملابسي حتى أخمص قدمي، هرولت،ثم جريت مسرعا،لا لأحتمي من ذلك المطر الذي عصف بأحلامي و جرفها بعيدا،بل لأواجهه و أحمي أكبرها من الضياع.
أمسكت بيدها و هي مقبلة على ركوب سيارة أجرة كبيرة،استدارت،نظرت إلي بعينين دامعتين،لم تفلت يدي و لم تنبس بشفة،ضممتها إلي بشدة،و همست في أذنها : فلنذهب للمنزل،إن مع العسر يسرا.
قبلت جبينها،و مشينا الهوينا تحت المطر،عله يسقي مشاعرنا الذابلة،و يأتي بقوس قزح يلون حياتنا من جديد.
أسامة حمامة
0 comments:
Post a Comment