تم قبل قليل إطلاق سراحي بعد رحلة استنطاق دامت قرابة ساعة من الزمن، هذه قصتي:
استفقت اليوم نشيطاً كما العادة، بعد تفرغي من الصلاة وارتداء الملابس، هممت بوضع المتاع في حقيبة الظهر التي أحملها دائماً، تذكرت نصيحة قرأتها منذ أيام، تقول بضرورة حمل فاكهة للعمل، فعزمت أن أتبعها، أخذت موزة وتفاحة، وضعتهما في كيس بلاستيكي، ثم تناولت سكيناً كنت قد اشتريته منذ بضع أسابيع ولم أفكر في تغييره لأني اعتدت استعماله رغم كبر حجمه نسبياً، وضعته هو أيضاً في كيس بلاستيكي اخر بعد أن قمت بلف ورق المائدة حوله كي لا يخدش الحقيبة.
أوصدت الباب، ومضيت في طريقي نحو محطة المترو، و لأنني لم أفطر قبل خروجي، كنت متحمساً للوصول إلى المكتب باكراً واستغلال الوقت لتناول الفاكهة التي أحملها معي. لاحظت أن ثكنة الشرطة التي أمر عليها دائماً تشهد حركة غير عادية، أفراد الشرطة انتشروا على جانبي الطريق يستوقفون المارة و السيارات، فربطت ذلك بما وقع منذ أيام قليلة في 'باردو'، حين اقترابي من الثكنة، داهمني شرطي بطلب بطاقة التعريف، قبل أن يعاجلني اخر بطلب تفتيش الحقيبة، و عند العثور على السكين داخلها تجمع حولي أربع شرطيين أو يزيد، واحد يسألني من هنا واخر من هناك، و شرطي أخذ هاتفي يبحث فيه، شعرت بحالة ذعر، و رغم شرحي لهم أني صحفي بقناة 'العربي' و أن السكين جلبتها لتقطيع التفاحة وتمليط الجبن فوق الخبز، أصروا على استضافتي بمكتب بئيس هناك، فدعوت الله أن يفرج كربتي لأن الوضع لا يبشر بخير.
داخل المكتب، كان هناك شرطي يأخذ معلومات أشخاص اخرين تم توقيفهم لأن رخص السياقة الخاصة بهم انتهت صلاحيتها، .... جلست أتأمل المشهد، طلب مني أحدهم ما يثبت أني صحفي، فقلت له أن بطاقة الصحافة لم تصدر بعد، هممت بالاتصال بالمدير، لكن شرطياً نهرني عن ذلك بصوت غاضب، فكتبت رسالة نصية عوض ذلك في غفلة منه.
كنت جالساً على أريكة حديدية وضع فوقها ثوب ليتقي الجالس عليها برودة المعدن، لكن شرطياً طلب مني الانتقال لأريكة مشابهة لم يوضع فوقها شيء، فشعرت بالمهانة.
بعد أخد و رد، استنتجت أنهم سيأخذوني لقسم شرطة اخر لأوقع على محضر، فقلت في نفسي: !Shit,I'll be late for work ،عندما وصلت السيارة التي ستقلني إلى هناك، تبادل راكبوها مع باقي عناصر الشرطة معلومات عني، ووجه أحدهم لي أمراً برمي العلكة التي ألوكها بقوة من شدة التوتر، و أذكر أنه قال لفظاً نابياً ليحثني على إبداء بعض الاحترام.
شعرت بتأنيب ضمير على حملي السكين اللعينة، وتمنيت أن تنتهي القصة بسرعة لأمضي في حال سبيلي، فلم أكن أعلم أن حمل سكين شيء مخالف للقانون، و لماذا تباع في الأسواق إذا كان حملها ممنوعاً؟ في الطريق إلى مركز الشرطة الثاني، أعدت رواية الأحداث وكلي أدب وابتسامة، لكن المرافقين لم يحفلوا لذلك كثيراً.
عند دخولي المركز، طلب مني الجلوس، طرحت علي نفس الأسئلة: أين تشتغل؟ أين تسكن؟ اسم الأب، الأم، الجد... مدة إقامتي في تونس، سبب حملي السكين... ثم بادر أحدهم إلى النظر داخل الحقيبة مرة أخرى، و قال لي صارخاً: "كل 2 أمتار في تونس ستجد متجراً للأغذية، فلماذا تحمل حقيبة؟" و ظل يرغي ويزبد، لم أعره اهتماماً كبيراً، فالظاهر أنه كان يريد إظهار سلطته، كما قال Gad El Maleh في أحد حفلاته: pour marquer l'autorité
ما استفزني كثيراً هو تشكيكه بأقوالي عندما قال أن من وراء حملي للسكين نية أخرى، و أنهم سيفرجون عني لكوني أجنبياً،إلخ
ما استفزني كثيراً هو تشكيكه بأقوالي عندما قال أن من وراء حملي للسكين نية أخرى، و أنهم سيفرجون عني لكوني أجنبياً،إلخ
على العموم، قبيل انتهاء الشرطي الجالس على المكتب من طباعة المحضر الذي استغرقه وقتاً، لأنه اضطر لرج حاملة المداد في الطابعة كذا مرة، قبل أن يذهب ويستبدل الطابعة بواحدة أخرى جلبها من مكتب مجاور، وصل مدير المكتب، فاعتلاني شعور بالثقة لأن حضوره سييسر العملية، وقعت على المحضر بعد قراءة أسطر منه على مضض، أخذت أغراضي كلها إلا السكين، ثم خرجت لاعناً في نفسي كل من عاملني بازدراء.
0 comments:
Post a Comment