أســـامـــة حــمـامـــة

W E L C O M E

في العلاقات

Leave a Comment


أستغرب بحث عديد الرجال والنساء عن مواصفات حالمة ومحددة في شركائهم المحتملين، وأنا لا ألغي هنا حقهم في فعل ذلك، لكن استغرابي هو من عدم بحثهم بالموازاة عن مدى ملاءمتهم لذلك الشريك إن وُجد، فكثير منا (منا نحن معشر البشر) يعتقد أن "الآخر" من يجب أن تتوفر فيه كامل الشروط المطلوبة وأنه بعد ذلك مجبر على تكييف نفسه مع كياننا، دون أن نضطر نحن لتغيير أي شيء فينا، لأننا حسب ظننا "مثاليون"، نستحق "الآخر" كيفما كنا، ولا نتكبد عناء التساؤل حول مدى استحقاقنا له، بل نعمد إلى أن نمنّ عليه تواجدنا معه.

نعيش داخل فقاعة من النرجسية تجعلنا نركز فقط على عيوب الآخر ولانفطن لعيوبنا، نهاجمه عند كل هفوة ونمعن في انتقاده، بل نختلق له هفوات ونضخمها ونشعره دائما أنه لا يبذل ما يكفي ليستحقنا، وعندما يطفح كيل "الآخر" ويقرر تركنا، نسارع إلى قلب الأدوار ولعب دور الضحية الموسومة بالتعاطف والتسامح، فنجعله يعتقد أنه المذنب في نهاية المطاف، رغم أن جوهر المشكل والخطأ منا نحن، وردة فعله الطبيعية تلك هي تعبير منطقي عن رفض استمرار حالة من الاستغلال العاطفي والإنهاك النفسي، لكننا بمكر نستغبيه ونقنعه بعكس الحقيقة، فيعتذر عن شيء لم يفعله، الأمر برمته كأن تؤذي شخصا لطالما اعتنى بك، فيصرح لك بذلك، فتهم أنت بنهره، فيأتيك قائلا: "آسف جدا على اهتمامي الشديد بك وطيبتي البالغة التي جعلتك تستهين بي وتعتبرني من المسلّمات، لتهملني بعد ذلك وتجرح مشاعري، فأثور عليك وأعبر عن انزعاجي، ما أثار حفيظتك واضطرك لمعاملتي بسوء أكبر، أنا آسف جدا. لم أقصد إقلاقك بالإفصاح عن شعوري. أنا مخطئ، سامحني أرجوك!"

في المقابل، على صعيد ثان، البعض يجزم بكون قوة العاطفة تجاه الآخر كفيلة بنجاح العلاقة بين الرجل والمرأة، والحب لوحده كاف للمضي قدما بثبات، لكن الأمر غير صحيح، لأن "الحب" بذاته حالة شعورية مركبة، تتدخل في بنائها عدة عوامل وعناصر فعالة، ولايمكن الاستكان إلى الجانب الرومانسي فقط للجزم بنجاح العلاقة، النجاح هنا ليس بمعنى إرساء العلاقة وتشكيلها، بل بمعنى استمرارية هذه العلاقة وحفاظها على قدر معقول من التوازن بين الطرفين أخذا وعطاء؛ لايجب أيضا فهم الاستمرارية بمعنى مدة استمرار العلاقة، بل باستمرار جودة العلاقة خلال تلك المدة، فقد يكون زواج امتد لسنتين وانتهى بالطلاق لأسباب معينة، أنجح قطعا من زواج دام 40 سنة وما زال مستمرا. كيف ذلك؟ الطرفان في العلاقة الأولى أحبا بعضهما قولا وفعلا، منحا بعضهما نفس الكم من الاهتمام وقسّما بعدل الحقوق والواجبات، لكن حدثا فجائيا قلب العلاقة، كوقوع انهيار عاطفي أو جمود مشاعر لدى أحد الطرفين، أو اكتشاف أحدهما لجانب جديد في شخصية الشريك لم يقدر الصبر عليه، أو الإحساس بتقلص الرغبة في الآخر، القراءة المتبصرة لتلك الإشارات ستقود الطرفين إلى الفراق كحل صحي، بعد استنفاذ جميع وسائل العلاج والإصلاح حال اللجوء إليها. لن يكون الفراق حزينا، أو على الأقل لن يكون حزينا جدا، لأنهما يدركان أن تلك نهاية فترة من العيش المشترك الهني الذي قُدّر له التوقف، وهذا ليس دليل فشل كما سيعتقد البعض، بل هو نجاح للعلاقة خلال فترة إقامتها، ونجاح لتدبيرها عند المرور بأزمة قاهرة لاتقبل بديلا غير الذهاب في سبل مفترقة والانفتاح على آفاق جديدة.

أما زواج الأربعين سنة، الذي يفاخر أصحابه بطول مدته، معتبرين أن ذاك عربون نجاح، فقد لايعدو ربما عن كونه خشبا منخورا مهترئا غلف بثوب حريري يقيه الانكشاف أمام الناس، بل حتى أمام أصحابه، ستجد الطرفين ينكران حقيقة أن زواجهما انتهى منذ فترة طويلة، وأن الشيء الوحيد لبقائهما معا هو الأبناء إن افترضنا وجودهم، أو نظرة العائلة والمجتمع، أو مصالح مشتركة أو غيرها، وغالبا ما تجد أحد الطرفين في مثل هذه الزيجات من يقع على كاهله عبء تحمل الآخر لأسباب واعتبارات أقنع نفسه بأهميتها وخطرها، فتعتليه حالة من الخوف وعدم اليقين حول مصيره إن بادر للمغادرة، مفضلا عدم الانسحاب وتضييع حياته في علاقة مسمومة فاشلة طويلة الأجل.

الوضع يشبه حكاية فرد يهاب ترك وظيفة ما عادت تعجبه كما في الأول لأن الرتابة تلفها ومهامها تزايدت دون تعويض يواكبها، وبدأت تقتل مهاراته وتقوضها....، كل ذلك فقط لخشيته عدم إيجاد فرصة عمل أخرى. مثال الزواج والوظيفة تجسيد للموت الإكلينيكي أو الموت البطيء الذي يرضاه بعض الناس لأنفسهم إذعانا لغياب قدرتهم على الخروج من منطقة الراحة (الكومفرت زون)، ويا ليتها أصلا كانت راحة، بل هي حكم بالإعدام مع وقف التنفيذ.

-يتبع-

Next PostNewer Post Previous PostOlder Post Home

0 comments:

Post a Comment

Featured
Videos