كورونا والإشهار التلفزي

لا شك أن العديد منكم لاحظ اختفاء شبه كلي للإعلانات التجارية المعروضة على قنواتنا التلفزية (اللهم إلا في وقت المساء)، "الأولى" و "دوزيم" تحديدا، هذا الغياب يعزى بالدرجة الأولى إلى -فرضية- تداعيات الظرفية الراهنة، فمن أجل إفساح المجال للنشرات الإخبارية والوصلات التحسيسية ذات الأهمية، كان لزاما تقليص أو حتى إلغاء المساحات الإعلانية من البرمجة الحالية، هذا الأمر سيساهم بالموازاة في عدم تشتيت انتباه المشاهد مع توجيهه -بل إغراقه- نحو محتوى إعلامي ذي رسالة موحدة: التوعية الشاملة بجميع جوانب جائحة كوفيد 19. في نفس السياق، لا يفوتني أن أشير أيضا لكون التلفزيون خدمة عمومية، لهذا فهو غالبا ملزم بتبني نهج تثقيفي محض في موقف استثنائي كالذي نعيشه (أتساءل صراحة عن وجود أثر لذلك في دفاتر التحملات!؟)

من جهة أخرى، قد يُعرِض العديد من المستشهرين (طواعية) عن التلفزيون كقناة أساسية للترويج في هذه الفترة، إما لأن منتجاتهم تحقق أصلا المستوى المطلوب من المبيعات (أو حتى أكثر)، بالنظر إلى تغير العادات الاستهلاكية لدى شريحة كبيرة من المواطنين قبيل بدء الحجر الصحي وخلاله. أو لأن هؤلاء المستشهرين وجدوا ضالتهم في التسويق الإلكتروني، الذي تزداد مردودية استخدامه بارتفاع عدد مستعملي الإنترنت ومدة بقائهم على الشبكة، وهذا تماما ما أسفر عنه الحجر الصحي. أو لأن تكاليف عرض الإشهار نهارا أخذت منحى تصاعديا لا تستطيع تحمله إلا كبريات الشركات والمؤسسات. أو لأن بيانات نسب المشاهدة تصنف المساء كأنسب زمان لبث الإعلانات.

وبالعودة إلى التلفزيون، لن ننكر أنه يبقى المنصة الإشهارية الفضلى لمعظم منتجي السلع ومزودي الخدمات في بلادنا، فهو وسيط قوي يتمتع بسحر مميز وقدرة استقطاب جمهور واسع والتأثير عليه حسيا، يساعده في ذلك طابع الوثوقية الذي يكتسيه باعتباره منبرا -حصريا أحيانا- للأخبار الرسمية، لا ننسى أنه يدخل البيوت دون استئذان، ولا يُلزم الشخص ببذل جهد معين للتفاعل مع ما تراه عيناه على الشاشة.

ورغم أن كلفة الترويج في فضاء الويب أرخص، وأدوات قياس الأداء العام للإشهار على صفحاته أكثر دقة وتفصيلا، يبقى التلفزيون منافسا شرسا لن يندثر في أوج الثورة الرقمية. وأنا أتوقع عودة زخم الإعلانات التلفزية بمجرد حلول الشهر الفضيل.

#فكرة_هامشية