أســـامـــة حــمـامـــة

W E L C O M E

الوسطية والاعتدال

Leave a Comment


عندما يريد أن يحدثك بعض المغاربة عن الوسطية والاعتدال في الدين، يستشهدون بقولة مبتدعة عرفت طريقها إلى التجذر في الأوساط المجتمعية، وهي "شوية لربي، شوية لعبدو"؛ الترجمة الحرفية لهذه المقولة هو "قليل لله وقليل لعبده"، وأيا كانت نية الناطق بها، يبقى المعنى المحصل من قراءتها وتأوليها خاطئا ومتناقضا مع تشريعات الإسلام؛ وهذا لكونها تدعو إلى أن يعيش الإنسان حياته معتمدا مبدأ الفصل بين الشقين الديني والدنيوي كسكة القطار، خطان متوازيان ممتدان على طول الطريق جنبا إلى جنب دون أن يلتقيا أبدا، هذه القطيعة تتنافى مع توصيات ديننا الحنيف، لأن الديني والدنيوي فيها يشكلان أجزاء متكاملة ومتداخلة، بل الحقيقة أن الدين يجب أن يكون غالبا تماما على حياة الأفراد في حركاتهم وسكناتهم، لماذا وكيف ذلك؟ لأن الإسلام منهاج حياة شامل جاءت تعليماته وضوابطه في شطرين، أحدهما يتعلق بالعبادات (تنظيم علاقة الإنسان بخالقه عز وجل) والآخر يتعلق بالمعاملات ( تنظيم علاقة الإنسان بغيره من الخلق وبمحيطه ككل)، وهذا لا يتأتى إلا باستحضار وجود الله عز وجل في كل المواقف والأماكن، وعكس ما يعتقده البعض، تبني هذا الأمر لا يقوض أبدا سعي المؤمن في الدنيا ولا يحد البتة من طموحه، إنما يصوب مساره ويقومه ويجعله شخصا مسؤولا تتوافق تصرفاته مع توصيات ومقاصد الدين، هذا الأخير يحض في مجمله على الاستقامة والأخلاق الكريمة التي تساهم العبادات في شحذها وترسيخها في نفسية المؤمن لتتجسد في أفعاله، وبهذا يحدث التكامل المشار إليه سلفا، فعندما تكون النتيجة المرجوة واحدة والوسائل إلى تحقيقها متعددة، يأتي الدين ليساعدنا في اختيار السبيل الطيبة الخيرة التي ستوصلنها إليها، فلنأخذ مثلا شخصا يصبو إلى النجاح في الدراسة أو العمل؛ في غياب القيم والشمائل السمحة، سيكون من السهل عليه شق الطريق نحو هدفه دون تردد باستخدام أساليب الغش والمكر والخديعة والكذب...، لكنه في حال تشبَّثَ بالدين من خلال الامتثال لأوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه، فلن يقدم أبدا على ارتكاب معصية مماثلة حتى لو كلّفه ذلك عدم بلوغ غايته، لأن الغاية مهما بدت في ظاهرها حميدة (النجاح)، تصبح لاغية لِما يكتنف مسار تنفيذها من فساد وأضرار وآثار سلبية، كالذي يتصدق من مال أصله حرام، فِعلُ الصدقة جيد لكنه جاء نتيجة فِعلٍ سيء،... والتي تعمل في الدعارة لتعيل أسرتها، جميل أن تعتني بأهل بيتك، لكن بجلب لقمة حلال،... المهم، أعتقد أنكم فهمتم قصدي الآن؛ عندما يقوم المسلم بالإخلاص في العبادة بنية صادقة بعيدا عن الرياء والنفاق وتزكية النفس، فسينعكس ذلك حتما بشكل إيجابي على كينونته وسعيه في هذه الحياة الفانية دون تفريط أو إفراط؛.. ثم إن علينا التفقه في ديننا وعقيدتنا لأننا أولى بفعل ذلك، وهو أمر واجب على كل من يعتنق الإسلام، كيفما كان مستواه العلمي أو الاجتماعي، المعلومة الدينية متوفرة للسائل عنها، فالمفروض المبادرة للبحث والتمحيص عوض الاكتفاء باستهلاك أول ما يصادفنا أو ما يناسب أهواءنا، هناك أشياء لا يعذر المسلم بجهله إياها، ومن استحل اتباع "دينٍ على المقاس" فقد زاغ وظلم نفسه.
والله أعلم.
Next PostNewer Post Previous PostOlder Post Home

0 comments:

Post a Comment

Featured
Videos